Font size increaseFont size decrease

الاستمطار في دولة الإمارات من خلال تعديل الغطاء الأرضي وإنشاء جزر الحرارة الاصطناعية

تشكل ندرة المياه في دولة الإمارات ومنطقة الشرق الأوسط تحدياً كبيراً، وتتفاقم هذه الظاهرة بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ، إضافة الاستغلال المفرط لموارد المياه الجوفية وتأثير العوامل البيئية الأخرى.

 

وتعتمد دولة الإمارات منذ سنوات عديدة على مصادر غير تقليدية لتلبية احتياجاتها المتنامية من موارد المياه، كعمليات تحلية المياه، وأبحاث الاستمطار، ولكنها باتت تبحث الآن عن حلول بديلة أخرى لرفد مواردها من المياه الطبيعية. ومن المشاريع البحثية الرائدة في هذا الإطار والتي دعمها برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار دراسة الهندسة الجيولوجية التي تتضمن تعديل الغطاء الأرضي لتحفيز هطول كميات إضافية من الأمطار الطبيعية. وتتضمن المنهجية المقترحة لهذه الدراسة استخدام شبكة سوداء كبيرة، أو ألواح الخلايا الشمسية سوداء اللون، أو مطلية باللون الأسود، تعرف بـ" الأسطح السوداء الاصطناعية" لزيادة حرارة السطح وتسهيل الحمل الحراري، وهي عملية تشكل جزءاً أساسياً من دورة المياه على سطح الأرض وتعلب دورا مهماً في هطول الأمطار.

 

قام الفريق البحثي بقيادة البروفيسور فولكر وولفمير من معهد الفيزياء والأرصاد الجوية بجامعة "هوهنهايم" الألمانية، والحاصل على منحة برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار بدورتها الأولى في العام 2016، بدراسة بحثية بعنوان تحسين الاستمطار من خلال تقنيات الاستشعار عن بُعد المتقدمة وتعديل الغطاء الأرضي" " حيث ركز هذا المشروع البحثي على دراسة إمكانية تعديل الغطاء الأرضي لزيادة هطول الأمطار في دولة الإمارات وعلى طول سواحلها. ومن خلال عمليات محاكاة حاسوبية متطورة، سعى الفريق إلى فهم تأثير تعديل الغطاء الأرضي من ناحية الحجم والنوع والموقع على هطول الأمطار الإقليمية وعملية الحمل الحراري.

 

وأجرى الفريق سلسلة من عمليات المحاكاة خلال أشهر الصيف، حيث تم اختبار خمسة سيناريوهات منفصلة للأسطح السوداء الاصطناعية بأحجام مختلفة لتقييم تأثيرها على مدار 24 ساعة. وتم إجراء عمليات المحاكاة في مواقع جغرافية مختلفة، لدراسة آثارها الأولية على حركات نسيم البحر، وتنوعت أحجام الأسطح التي قام الفريق بمحاكاة تأثير المناطق المغطاة بها بين 10، و20، و30، و40، و50 كيلومتر مربع.

 

ووجدت الدراسة أن أنظمة الأسطح السوداء الاصطناعية، خاصة تلك التي تتمتع بخصائص عاكسة منخفضة، لديها قدرة أكبر على تعزيز هطول الأمطار خلال أشهر الصيف في دولة الإمارات. ومن خلال امتصاص ضوء الشمس وتسخين السطح، تقوم هذه الأسطح السوداء الاصطناعية بتدفئة الهواء أعلاه، مما يوفر ظروفًا مناسبة للحمل الحراري. كما تعمل الأسطح السوداء الاصطناعية على زيادة معدلات الرطوبة وخطوط التقارب، مما يساهم بشكل أكبر في تعزيز هطول الأمطار. ويفترض الفريق أنه من خلال استخدام زوج واحد من أنظمة الأسطح السوداء الاصطناعية على امتداد 20 إلى 50 كيلومترًا، تستطيع دولة الإمارات الحصول على كميات أمطار سنوية إضافية كافية لتلبية احتياجات المياه لنحو 3000 إلى 15000 شخص.

 

وتوصلت الدراسة إلى اعتماد مقياس الأسطح السوداء الاصطناعية باعتباره عاملا حاسما في نجاح هذه العمليات، حيث إن الأسطح الأكبر حجمًا يمكن أن تحدث تأثيرات أكثر أهمية على هطول الأمطار وعمليات الحمل الحراري مقارنة بالعمليات التي تتم بالأسطح الأصغر حجمًا. وعلى سبيل المثال، حققت أنظمة الأسطح السوداء الاصطناعية التي تبلغ مساحتها 20 كيلومترًا مربعًا أو أكثر زيادات كبيرة في هطول الأمطار، مما يشير إلى أن استخدام أنظمة الأسطح الكبيرة يمكن أن يعزز موارد المياه العذبة في دولة الإمارات بشكل كبير.

 

كما تؤكد الدراسة على الحاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لتحسين تكنولوجيا الأسطح السوداء الاصطناعية وفهم قدراتها وإمكاناتها الكاملة في أبحاث تعزيز هطول الأمطار. ويمكن للدراسات المستقبلية استكشاف مدى حساسية نتائج المحاكاة بعوامل مختلفة، مثل دقة النموذج، والظروف الجوية المحيطة وغيرها. كما يمكن لعمليات المحاكاة المناخية طويلة الأمد أن توفر رؤى قيمة عن استدامة هذه الأنظمة وفعاليتها في تعزيز هطول الأمطار.

 

وتمثل أنظمة الأسطح السوداء الاصطناعية استراتيجية واعدة لمعالجة أزمة ندرة المياه في دولة الإمارات. ومن خلال تسخير ضوء الشمس لتحفيز هطول الأمطار، يمكن لهذه الأنظمة أن تصبح عاملاً مسانداً لجهود إدارة المياه الحالية في المنطقة. ومع تقدم الأبحاث في هذا المجال، يمكن أن تشهد هذه تكنولوجيا تحسناً متواصلاً من خلال دمجها مع ممارسات الاستدامة الأخرى في مجال الخلايا الكهروضوئية كأنظمة توليد الطاقة الشمسية، وأنظمة الري غيرها.

 

وتمثل أنظمة الأسطح السوداء الاصطناعية نهجًا مبتكرا ومتعدد الاستخدامات لتعزيز هطول الأمطار وتأمين الموارد المائية البديلة في المناطق القاحلة مثل دولة الإمارات، كما ستمكن هذه التقنيات المبتكرة الدولة من تحقيق مستقبل أكثر استدامة، وضمان توافر موارد المياه العذبة للأجيال المقبلة.

 

لقراءة المزيد، يرجى دخول هذا الرابط