Font size increaseFont size decrease

برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار هو مشروع طموح يعد بفتح آفاق جديدة في مجال الاستمطار، وذلك من خلال تشجيعه على البحث العلمي المؤدي إلى تطوير الحلول التقنية والمستدامة بهدف ضمان الأمن المائي ومعالجة تحديات شح المياه في الإمارات والعالم. إن قضية المياه هي شأن مشترك للبشرية، وهي تتطلب منا التعاون لضمان توفير هذا المورد الأساسي والهام لمن يحتاجه في المناطق الجافة وشبه الجافة حول العالم.

بحسب توقعات الأمم المتحدة، سيؤدي تسارع ظاهرة التغير المناخي إلى تزايد الضغط على مصادر المياه بحلول عام 2030، بما قد يهدد حوالي نصف سكان العالم بمخاطر شح المياه. وقد حذر تقرير أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) العام الماضي من أن ارتفاع الانبعاثات الكربونية قد يؤدي إلى خفض المصادر المتجددة للمياه السطحية والجوفية بشكل كبير في المناطق شبه الاستوائية الجافة. ويتوقع أن تشهد الدول النامية النسبة الأكبر من ارتفاع عدد السكان الإجمالي الذي يتوقع أن يصل إلى 3 مليارات نسمة خلال العقود الثلاثة المقبلة، الأمر الذي يشكل ضغطاً هائلاً على الإمدادات المحدودة لمياه الشرب.

ويختتم عام 2015 "العقد الدولي للعمل: الماء من أجل الحياة"، والذي يعد تتويجاً للجهود الدولية الرامية إلى تحقيق أهداف "إعلان الألفية" حول المياه والقضايا المتعلقة بالمياه. لذلك فقد حان وقت إحياء الجهود للحفاظ على مصادر المياه وضمان تطوير المجتمعات والاقتصادات، فالاستثمار الاستراتيجي المستدام في قطاع المياه هو أمر بالغ الأهمية لمستقبل الإنسانية المشترك.

تواجه المناطق الجافة تحديات عديدة مثل انعدام مصادر المياه الطبيعية، وعدم توفر مصادر مياه متجددة كافية، وانخفاض معدل هطول الأمطار، والنمو العالي للسكان ، والنمو الصناعي المتسارع، والنشاط العمراني والحاجة إلى استخدام المياه الجوفية للزراعة، وبذلك فإن الهدف الرئيسي يكمن في الحفاظ على استدامة المياه وأمنها في هذه الدول التي تعتمد حالياً بشكل رئيسي على تقنيات تحلية مياه البحر المستهلكة لكميات كبيرة من الطاقة.

إن التحدي الأكبر الذي تواجهه المناطق الجافة يتمثل في ندرة المياه نظراً إلى انخفاض معدلات هطول الأمطار ونسب التبخر العالية والاستخدام الجائر للمياه الجوفية. كما تمثل المياه المهدورة في شبكات المياه مشكلة أخرى بحد ذاتها. ويمكن حل العديد من هذه التحديات من خلال اتخاذ الإجراءات المناسبة التي تساهم في حماية مصالح المياه، مثل الإدارة المناسبة للمياه، وبناء محطات جديدة لمعالجة المياه، والحفاظ على المياه من خلال تثقيف الناس وحثهم على عدم الهدر، والتعاون بين الدول لتطوير تقنيات جديدة تتناسب مع البيئة وذات تكلفة منخفضة ولا تستهلك كميات كبيرة من الطاقة

وبالنسبة إلى الدول الجافة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد أصبحت استدامة المياه من أكثر التحديات الاقتصادية والأمنية الملحة نظراً إلى الطلب المتوقع الناجم عن تسارع ارتفاع عدد السكان. وفي ظل انخفاض إمدادات المياه الجوفية بشكل سريع في المنطقة، فإن ارتفاع نسبة إنتاج المياه من تقنيات تحلية مياه البحر يتسبب في زيادة تكاليف الطاقة التي تضع ضغطاً هائلاً على ميزانيات تلك الدول.

إن المعدل الحالي السريع لاستنزاف المياه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد يضع المنطقة ضمن تصنيف الدول التي تعاني من "شح المياه" بحلول العام 2030. وبحسب تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية السنوي لعام 2014، يؤثر انخفاض الإنتاج الزراعي ومصادر المياه المحدودة بشكل سلبي على أمن الغذاء. وفي ظل تصنيف 13 دولة عربية على أنها تعاني من ندرة مياه حادة، ويؤكد التقرير على أهمية العلاقة بين أمن الغذاء واستدامة المياه.

وفي وقت ترتفع فيه معدلات النمو السكاني وتنخفض فيه مصادر المياه، أصبحت الحاجة إلى إيجاد حلول لضمان أمن المياه العالمي أكبر بكثير من ذي قبل. وكون أمن المياه من أبرز مقومات الأمن الوطني لكل دولة، يزداد الضغط على الدول لتعزيز مرونة قطاع المياه من خلال جهود الأبحاث والتطوير، والاستثمار في تقنيات جديدة، وتطبيق ممارسات أكثر كفاءة للحفاظ على مصادر المياه، وعقد شراكات دولية فعالة في هذا الخصوص.

ومع أن معظمنا يعتبر المياه المجانية أمراً بديهياً ومسلّماً به، يجب علينا أن نتذكر دوماً أن المياه مصدر ثمين ومحدود. ولن نتمكن من حماية مستقبل أجيالنا إلا من خلال تحقيق توازن عملي اليوم بين إمدادات المياه واستدامتها.

وتلعب دولة الإمارات دورا قياديا عبر الابتكار في مجال الاستمطار، لتعيد إحياء مجال علمي لم ينل الاهتمام الكافي برغم الامكانيات الهائلة التي يقدمها. وتعمل الإمارات جاهدة على تشجيع المجتمع العلمي الدولي في تبني النموذج الذي وضعته ودعم جهودها الرامية إلى إدارة احتياطات المياه الوفيرة بما يعود بالمصلحة على الجميع.